
لم يعد الكثيرون يريدون ان يكونوا أطباء او مهندسين او حتى إداريين عاديين كما عهدوا جيل أبائهم ، أصبح هناك نكهة تجول أوساط المجتمعات المختلفة تسمى " التميز " ، و إن أردت ان تتميز عليك ان تتحرر من الافكار التقليدية .
لقد فهمت " ابل " ذلك ، فهمت ان الكثيرين صاروا يبحثون عما يميزهم ، صارت الموسيقى موضة العصر والكل يريد خلق ثورة رنانة يرفع فيها نوعا جديدا لموسيقى اكثر تطورا و حداثة من سابقها و صار الكثيرون يتوقون لامتلاك استديوهات مليئة بأنواع الآلات الموسيقية المختلفة ، رجال الاعمال لا يرضون بأقل من ذلك ، صاروا يهتمون بإدارة مواعيدهم بدقة أكثر و سرعة أكبر، الرسام او المصمم يريد رؤية العالم عن قرب و أن يطبق افكاره على ارض الواقع بسرعة أكبر و دقة أعلى... وهلم جرة .
وبدخول الانترنت لحياة الجميع و بتقمصها مكانة ضرورية لا يتنازل عليها أحد ، تأكدت نظرية التغيير و تحولة الى حقيقة نعيشها، صار للتواصل معنى آخر ، بداية بظهور برامج المحادثة الى فيسبوك و تويتر ..
لقد فهمت " ابل" ذلك ،بأن عملية تغيير العالم يساهم فيها أطراف عديدة من اماكن مختلفة ، فطرحت في السوق اجهزتها العظيمة ، حتى صار كل بيت لا يخلو من جهاز من أجهزة هذه الشركة العملاقة ، وفرة "ابل" تطبيقاتها العديدة قصد منح كل فرد يستخدم اجهزتها حريته الكاملة ، فالجميع صار يبتغي التميز ..
التفاحة المقروشة ، عشق لا ينتهي ، هكذا يصف مستخدموا اجهزة "ابل" احساسهم ، توفر هذه الاخيرة في اجهزتها العديد من الميزات التي تجعل من الجهاز رفيقا دائما،بل أكثر من ذلك بكثير ..
تجعلك تستغني عن اشياء كثيرة في حياتك كما انها تجعلك تفشل في العديد من علاقاتك ،لماذا ؟ لأنها ببساطة هي من ستحل محل كل هته الاشياء و هؤلاء الأشخاص ، ستوفر لك جدولا محكما لتنظيم وقتك ، لن تحتاج لمن يساعدك في ذلك ، و سترمي بالقصاصات الملونة من بيتك ، ستكتب و تقرأ بل و ترسل عددا هائلا من الرسائل و انت تجلس مستخدما جهاز اقل من حجم الكف .. ستفتح مدونتك الخاصة من خلالها ، و ستجد عملا جيدا بسببها ، فتقبل و تبدأ بالعمل من على فورك ، كل هذا وانت تجلس على اريكة منزلك مستخدما جهاز "ابل "الأنيق .. فلن تحتاج لفلان ولا لعلان لتسيير أمورك أو مساعدتك ، "ابل" وفرت لك المساعدة التي تحتاجها ..
حياتنا دقائق ، و دقائقنا مع "ابل" و اجهزتها تزيد بعدد الأنفاس التي نطلقها ، حتى يصير التخلي عنها شبه مستحيل ..
فلو ندقق في ما توفره ابل لنا كمستخدمين لأجهزتها ، نجده غير ملموس ، ولا يقربنا لأرض الواقع بل يرمينا عرضة لبهتان حياة افتراضية ، تصورها لنا ابل انها الحياة المثالية .. لكن احزر ماذا ؟ قد لا تكون كذلك !!؟؟ ..

Ipad يبعدنا عن الكتب و حفيف اوراقها و جمالية عبق رائحتها الذي عهدناه ، صار ورقة للرسم ، بل الى آلة موسيقية جذابة ..
Iphone يطوينا اين ما كنا عما يحدث حولنا ، فتجدنا محملقين بتركيز شديد في شاشته الصغيرة متفقدين ما يحدث في الجهة الاخرى من العالم .. بينما يحدث الكثير حولنا و لا نلتفت له ، معتقدين ان ما يحدث هناك أهم بكثير !!
ابل اخذت جزءا كبيرا من الاحساس و الادراك الذي من المفترض ان نشعر به و ان نحيا به ..
لكن الحقيقة أن سعادتنا تقولبة في قالب جديد مع بداية القرن الواحد و العشرين بظهور التكنولوجيات الحديثة ، لم تعد سعادة الناس الآن لنفس الأسباب التي كانت عليه في القرن الماضي .. فهي تتغير بتغير الحياة حولنا ، و الجميع يعلم ان حياتنا قد تغيرت بشكل جذري ..
فالانسان عرضة للتغير ، وهذه حقيقة مفرغة منها ..
"ابل" فهمت ذلك ، فهمت ماذا يحتاج الناس ، هم يحتجون للتغيير ، لا يريدون سماع احاديث الحروب و تفشي الطائفية حولهم ، هم يريدون الحياة بشكل جديد ، يتشارك الجميع فيها أطراف التغيير ..
فعلى قدر ما اخذت "ابل" من الجوانب الحسية التي كنا نعتقد انها تشكل حياتنا في المقام الاول ، قد أظهرت للعالم رؤية جديدة و منحت افراد المجتمعات المختلفة ما يحتاجون اليه و ما ينقصهم لعيش الحياة التي يريدونها .. وجعلت علاقة الانسان بالشيء تتطور كما تتطور علاقة الناس مع بعضهم البعض ..
منحت "ابل" الجميع القدرة على التميز بترك التحرر خيار أفضل للجميع ، لكنها بدورها أسرت و طوت فكر و إحساس مستخدميها ليتجاوز الحدود ، لأنها عملت على التمحور في حياتهم و التشبث بفكرة التميز و التحرر ، بينما فعلت العكس ..
ساعدت "ابل" الشبكات الاجتماعية و المواقع المعروفة للسطو على خصوصية الفرد بكشف مكانه ، بفضل الخرائط التي تدعمها، آنية النشر و التدوين و التغريد التي جعلت من هته الوسائل بمثابة الاعلام الجديد و السريع ، على غرار ان ما ينشر قد يكون حقيقة و قد يكون كذبة منمقة !!

شارك حياتك غيرك ، ذلك ما يترنم به العالم في هته الآونة ، بينما ينسى او يتناسى أن ثقافة الخصوصية بدأت في الزوال ، و ان العالم الافتراضي يحاول جاهدا ان يكون مكافئ للعالم الحقيقي ..
عالمنا مليئئ بالتناقضات - كما هو حال تدوينتي هته - لأنه يمتلك أكثر من جانب ، وواسع الحيلة و المعرفة من يستطيع رؤيته من أكثر من جانب، ذلك ما فهمته "ابل" ، فقد منحت على قدر ما أخذت ، حررت كما أسرت ، ساعدت على إزالة ثقافة الخصوصية لأجل أن تساعد الناس في الظهور على السطح دون التمرغ في وحل الأنفاق المظلمة التي كانوا يختبئون فيها منذ عهود ، و تركت للفرد حرية اختيار أن يكون أو لا يكون .. أن يعبر عن وجوده ، او ان يختار البقاء في العتمة ..
تعليقات
إرسال تعليق